هو يملكها ، دونما حاجة بعد إلى عناية إلهية متواصلة : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١٧ : ٧٤)!
ثم البلية هنا قد زادت بمكايدات نسوة في المدينة ، وتهديدات صاحبة البلاط ، فقد دعونه إلى ما دعته إليه (مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) مما زاد في الطنبور نغمة أخرى ، وتفاقم الأمر مرة أخرى اكثر بكثير من الأولى.
فإن كانت رؤيته برهان ربه هناك تصده أن يهم بها ، وهي فعله مهما كان البرهان من ربه ، ولكنه هنا ـ وقد علت النبرة وازدحمت النسوة في المكيدة ـ هو بحاجة إلى برهان أقوى ، وصرف من الله (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) مكيدة لا يقوى عليها إلّا الله حيث تكلّ كلّ القوى ، وتختل الموازين كلها ، اللهم إلا صرفا من الله.
(إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي ..) لا «تصرفني عنهن» إذ لم يكن ليهواهن ، وإنما هن اللاتي يكدنه لحد يكاد يصبو إليهن.
والصبو هو تميّل صبياني عن جهل وتفلّت عقل ، وصبا يصبو صبوة إذا نزع واشتاق وفعل فعل الصبيان ، فإن المكائد الأنثوية تصل لحد يطيّر بها العقل وينوبه الجهل (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) وهو القائل : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) فهو يستدعي من ربه في ذلك الموقف الهرج المرج أن يخصه برحمة خاصة تصرف عنه كيدهن (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) دعاءه (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) ثم لم يمنع ويردع عن سجنه (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) للدعاء «العليم» ما يصلح الداعي ، وقد كان يكفيه هنا أن يصرف عنه كيدهن وإن ببلية السجن ، وهي في نفس الوقت من ألطافه الخفية ، حيث كان ذريعة لاستئصال التهم عنه على طول الخط ، واستقطابه لأن يجعل على خزائن الأرض ، والسجن ـ فقط ـ طريق لهما قاطعة! (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ولكن صرفه