«فتيان» هما عبيدان من خدم البلاط كما تلمح له (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) فأحدهما ساقيه ، والآخر خبازه ، ويا لها من معية بارعة تخلق ظرفا صالحا لتخلّص يوسف من السجن ، وقد يخصر السياق أمره معهما دون أن يحصره ولأن أمرهما هو الأساس في تبرزه في تأويل رؤياهما ، وهما اللذان رأياه من المحسنين تفرسا فارسا مارسا من عشرته قلّت أم كثرت ، فأهل الفراسة يتفرسون الإحسان وسواه في صفحات الوجه وفلتات اللسان ووجنات الأركان.
وعلّ «قال» دون عطف تلمح إلى وصل القول بالدخول دون فصل ، أم فصلا بليل او قدر من النوم يصلح لرؤياهما ، ولأن فصله كان قريبا وفي نفس الوقت غريبا ل (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إحسانا جعله موضع ثقة المساجين ، متوسمين فيه من طيبة ، وصلاحا وإصلاحا.
ولماذا «أراني» هنا دون «رأيت» كما في رؤيا يوسف؟ كأن فاعله المنام ، فهو الذي أراني دون اليقظة ، أراني ما كنت فاعله للملك وشاغله وأنا الآن في سجنه (أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) إراءة لهذه الحالة.
و (أَعْصِرُ خَمْراً) والخمر لا تعصر وإنما يعصر لها العنب ، هذا تعبير رائج هائج عن عصر عصير كثير وكما : خبزت خبزا وطبخت آجرا ، اعتبارا بالمآل ، عطفا له على الحال ، وكأن المآل حال قضية تأكد الاشتغال.
الفتيان يذكران رؤياهما ، راغبين تأويلهما حقا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) والمحسن يرى بشفافية روحه ما لا يراه المسيء ، ويحسن إلى سجين مثله ما لا يرجى من المسيئين.
وهل يبتدر يوسف بالتأويل ، عجالة في إحسانه دنيويا قبل إحسانه إليهما روحيا وأخرويا؟ كلّا ، فعلى رجالات الحق انتهاز الفرص للدعوة إلى الحق ، وكونه سجينا لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة ، وإصلاح