الأوضاع الكاسدة ، التي تقوم على حق الربوبية لآلهة الأرض ، وإبطالها لإله السماوات والأرض!
فهل يبدأ يوسف بدعوته تعاميا عما يتطلبان؟ وفيه إبعاد عن الحق لأنه خلاف غايتهما القصوى! والسياسة الصالحة هنا في الدعوة تتطلب تقديم رجاء واطمئنان لهما أنه سوف يقضي طلبتهما ، وهنا جو صالح بين الأمرين لكي يبين سبب كونه من المحسنين ليجذبهم إحسانه كما هو.
ولكي يطمئنهما أكثر مما يريان ، يبين موقفه من تأويل ، أنه ليس فقط للرؤيّ ، بل وله علم تأويل الطعام :
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٣٧).
وهكذا يدخل يوسف في نفوس صاحبي السجن بكل سياسة وكياسة في تنقّل الحديث ، حيث يؤكد لنفسه عليهما من العلم اللدني أكثر مما يريان حيث (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) أيا كان وأيان ومن ايّ كان ، من السجن أو خارجه (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ (١) أَنْ يَأْتِيَكُما) وذلك من إنباءات النبوات كما في المسيح (عليه السلام) (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ٤٩).
فحتى لا يظنا أنه خبير بتأويل الرؤيا ـ فقط ـ في ظنون كسواه من المعبرين ، أم أنه ـ فقط ـ معبر الرؤيا كذي فنّ مثل سائر الفنون مهما كان بعيدا عن الظنون ، ولأنه يزعج المصاحب الثاني تأويلا لرؤياه بصلبه ، لهذه كلها وحكم أمثالها أخذ يبين موقفه من العلم الرسالي ، ومن هوامشه تأويل الرؤيا ، لكي يقع تأويله موقعه من القبول ، وعلّ الذي يصلب يؤمن