ف (ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ) أيا كان هو فعله ، وليس ذاته أو من صفات ذاته حتى يكون قديما أزليا ، فلا ذكر إلّا لمتذكر ، ليس قبله ولا بعده ، فكما المتذكر خلق محدث ، كذلك الذكر خلق محدث.
و «محدث» لها واجهة ذاتية هي الحدوث الذاتي فيشمل كل ذكر من الرحمن ، وأخرى نسبية تعني الحادثة الجديدة بعد القديمة ، فهؤلاء يرفضون محدث الذكر من الرحمن مخلدين إلى قديمه أيا كان ، كإخلاد أهل التوراة إلى التوراة رفضا لما بعدها ، وإخلاد أهل الإنجيل إلى الإنجيل رفضا للقرآن ، رغم أن الجديد من الرحمن كما القديم ، وفي الجديد تجديد وتقديم إلى ما ليس في القديم! والذي يعرض عن محدث الذكر هو ـ بطبعه ـ معرض عن قديمه مهما ترائى انه مقبل إليه.
وقد يشمل «محدث» أصله قديما وحديثا ، كما يشمل حديثه ، فذكر الرحمن سلسلة موصولة أخراها إلى أولاها ، والإعراض عن جانب منها اعراض عنها كلها.
وقد يعنى من «ذكر محدث» ـ فيما تعنيه ـ آي الذكر الحكيم التي تترى عليهم تلو بعض ولصق بعض ، بل هو أهمّ الذكر وأتمه ، وسائر الذكر توطئة له وتعبيد طريق! ..
أم ان «ذكر محدث» تحلّق على كل ذكر آفاقي وأنفسي (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...).
ولماذا (ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ) والذكر رحمة رحيمية أيا كان؟ علّه لأن الذكر هو قضية الرحمة العامة حيث تعم كافة الآهلين له من أمن منهم ومن كفر ، ومن ثمّ هو لمن آمن رحمة رحيمية.
ف (ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ) ككل هو رحمة رحمانية حيث يعم المتذكر