(.. قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ١٨.
خطيبته متأمرة في شعبها تنادي من تحت إمرتها حفاظا عليهم من التحطم ، سياسة قيادية حيادية للنمل الخارج عن مساكنها للحاجة المعيشية (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) عن بكرتكم ، كي (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) ثم حفاظا على كرامة سليمان وجنوده وهي تعرفهم كما هم ، تعقب على نداءه (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) إذ لا يرون ما تحت اقدامهم ، فلا يحطمونكم عمدا وعداء ، وإنما غفلة لا شعورية! وقد تعني (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جنوده دون نفسه ولكنه لا يناسب إضافة سليمان إلى جنوده في «لا يحطمنكم». وأعجب بنملة من النمل تبرهن نداءها الحيادية بأن ذلك الحشد العظيم من الإنس والجن والطير «لا يشعرون» وهي النملة تشعر تحطيمهم لا عن شعورهم!
أدرك سليمان قالة النملة وهشّ لها وانشرح صدره بها كما يهش الكبير العادل الحنون للصغير الذي يحاول النجاة من أذاه ، دون ان يضمر أذاه :
(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ..) تبسّمة ضاحكة ، فرحة بما عرف ، وتعجبا مما تعرّفت وقالت ، وكيف تبسم ضاحكا وهو دون الضحك آتيا قبله ، فلا تبسّم حال الضحك كي تصح (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً)؟ علّه لأنه تظاهر بحالة التبسم وهو ضاحك ، حفاظا على سؤدد الملك ، تبسما يخفي ظاهر الضحك فيه إلى باطنه ، كيلا يجلب انظار جنوده كيف يضحك سليمان لا من شيء يضحكه؟ إذ لم يسمع قالة النمل إلّا سليمان.
لقد شعرت النملة عصمة سليمان واعتصام من في إمرته من جنود ، لحد لا يحطّمون النمل قاصدين ، فضلا عن حطم الإنس ، فما لأناس ـ بعد ـ لم يشعروا أن الأنبياء