معصومون؟! وترى النملة أرادت بما قالت الحذار عن حطم النمل بحياتها المادية ، ام حيويتها المعنوية إذ خافت هي على النمل ـ إذا رأت سليمان وجنوده في تلك الحشمة العالية ـ أن تتأرجف عما هي عليها فتقع في كفران نعمة الله ، وكما تلمح له قالة سليمان : (أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ ..). وتحطيم الحيوية اخطر من تحطيم الحياة؟ أم هي مريدة كلا الأمرين ، لا ندري ..
وهنا ندرس ان تحطيم النمل وأي حيوان غير مسموح في شرعة الله اللهم إلّا دون شعور ، فليشعر الإنسان في مشيه ألا يحطّم دون مبرر ، جويا أو بريا أو بحريا ، وكما ندرس كف الأذى عن كل حيوان ، بل ونبات ، حالة الإحرام وفي حرم الله ، فنتمرّن هكذا حتى نعيش غير محطّمين الضعفاء أيا كانوا وأيان حتى النبات والحيوان فضلا عن الجن والإنسان.
(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) ١٩.
«فتبسم» تبسم الفرحة بهذه النعمة الناعمة أن علّم منطق النمل ، فاستفاد منه التحذر عن تحطيمها (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) مما يشعرنا أن علينا أن نشعر وندرك من حولنا وتحت أقدامنا ، فلا نتمشى تحطيما غافلا لذي روح ، فضلا عما فوقه من تحطيم في تقصّد.
والإيزاع هو الحبس عن التفرق ، حبس الأوّل إلى الآخر والآخر إلى الأوّل وهو هنا حبس طاقات سليمان عن التمزق والتفرق ، جمعا لجوارجه وجوانحه كلها في شكر الله ، وحشرا لطاقاته كلها في خدمة الله ، وهكذا إيزاع للشكر ليس ـ بطبيعة الحال ـ إلّا بطريقة الوحي والإلهام ، حيث الإنسان ـ أيا كان ـ لو خلي وطبعه ، لا يستطيع أن يجنّد كل طاقاته وامكانياته