في سبيل شكر نعم الله كما يحق ويليق بساحته.
فسليمان هنا يتطلب الى ربه ان يلهمه شكر نعمته ، اضافة الى ما تدعوه إليه فطرته وعقليته وشرعته ، شكرا إلهاميا ليس فقط من مقولة الألفاظ ، وليس الشكر ـ كذلك ـ قالة تلفظ ، بل هي حكاية عن واقع الشكر بجانحة أو جارحة ، فقد تعني (أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ ..) هنا ما تعنيه (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٢١ : ٧٣) ، ثم (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) كخلفيّة لذلك الإيزاع الحبس الإلهام ، أو هو مصداق عملي للشكر بعد مصداقه الروحي ، فإيزاع الشكر هنا يحلّق على الشاكر بكل كونه وكيانه ، وكأنه الشكر بعينه ، بقلبه وقالبه ، ولا يتيسر ذلك الشكر التام الطام إلّا بإلهام من الرحمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)!
(أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ...) وهي الوحيدة : ـ لمكان نعمتك ـ النعمة الرسالية ، معرفية وعملية ، ولحدّ (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) ـ ومنطق النمل وسائر الحيوان! وكذلك التي (عَلى والِدَيَّ) : والدي داود حيث أوتي ما أوتي من ملك النبوة السامية ، ووالدتي إذ ولدتني من والدي بكل طهارة ونزاهة ، دون ما تتقوله التوراة المحرفة ، إن سليمان ولد من امرأة أورياه التي اغتصبها منه داود وحاشاه (١) وهو هبة الله لداود
__________________
(١) ففي صموئيل الثاني الاصحاح ١١ «وكان وقت المساء ان داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فأرسل داول وسأل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة أوريّا الحثّي. فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت اليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت الى بيتها وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت اني حبلى.