مكانة النبوة ويعرف الله فهو ـ إذا ـ مكلف في ذلك الحقل ، مهما لم تشمله الشرعة الإلهية العامة للمكلفين.
فآية الأنعام في وجهة عامة ، وآية النمل هذه في وجهة خاصة برهان قاطع لا مرد له ان الهدهد كسائر الجنود من الطير والجن والإنس كان من المكلفين في حقل التجنيد ، مهما اختصت الشرعة الإلهية ككل بالجن والانس واضرابهما من ذوي العقول.
وسلطان مبين من الهدهد الذي يخلصه من شديد العذاب ، هو الحجة التي تبين عذره أن (كانَ مِنَ الْغائِبِينَ).
وفائدة أخرى من ذلك التهديد السماح في تأديب الحيوانات إذا عصت عارفة ولحد القتل ، إلّا ان تتبين حجة تعذرها فيما عصت ، وعدم السماح في إيذاءها دون تقصير ، قصورا أم بغير قصور ، فقد يعمل الحيوان خلاف رضاك وهو لا يعرف رضاك فكيف تعذبه بقصوره ، إلّا تنبيها لكيلا يكرر فعلته شرط أن ينتبه.
فحين تضرب حمارك العاصي في مشيته ، وقد عرّفته واجبه في مشيته ، فما أنت ـ إذا ـ بظالم ، انما أنت مؤدب تأخذ حقك ممن تنفق عليه ، وأما إذا لم تنفق عليه واجب النفقة فله العصيان في واجب الخدمة ، ام إذا لم تعرّفه واجبه ، فلا ضرب هنا وهناك إذ لا تخلف تقصيرا عن واجب الخدمة ، وضربتك هنا وهناك ضربة ظالمة تعاقب بها وقت المعاقبة.
فحذار حذار عن ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلّا الله ، فانه من اظلم الظلم وأنكاه ، أم كيف تظلم من سخّره الله لك ، وذلك مس من كرامة الله ، فلتكرم حيوانا هو تحت إمرتك ، ولتنفق عليه ما يقيم أوده ، ويقوى به على واجبه ، ولتعف عنه ما وجدت إليه سبيلا ، ثم تأديبه تقصيرا عن خدمة