عليه علما بما جهل وحيطة بما لم يحط به.
وكيف تحيط الهدهد علما بما لم يحط به سليمان وهو نبي معصوم؟ ذلك حيث العلم المحيط ككل مختص بمن يحيط بكلّ شيء ، ثم الحيطة بما لا صلة له لازمة للرسالة ليست لزام الرسول ، فلله ان يعلّمه مثل الهدهد دون الرسول ، وقد يروى انه «سئل علي (عليه السلام) وهو على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري ، فقال السائل ليس مكانك هذا مكان من يقول : لا أدري ، فقال (عليه السلام) : بلى والله هذا مكان من يقول : لا أدري ، واما من لا يقول ذلك فلا مكان له ، يعني به الله (١).
فقد كان المسئول عنه بين ما يختص علمه بالله ، ام لا صلة له بالرسالة والإمامة.
(.. أَحَطْتُ .. وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وقد سميت سورة من القرآن بسبإ ، حيث اختصت بهم آيات سبع منها ، طيا لدورهم الحائر وكورهم البائر في دركاتهم السبع من نوازل البلاء بعد منازل الترح والخيلاء.
ونبأ سبإ اليقين هو خبر ذو فائدة عظيمة رسالية لسليمان لتصل دعوته إلى هؤلاء الضالين الساجدين للشمس من دون الله.
وتراه كيف يصدّق في دعواه ـ وبين الشام واليمن مسيرة شهر أو اكثر ـ يصدّق أنه طار في مكثه غير بعيد مسيرة شهرين في سفرته المرجّعة إلى اليمن ومنه إلى الشام؟ إنه حري به ان يحتمل صدقه كما (قالَ سَنَنْظُرُ ..) حيث المجال مجال خوارق العادات ، فما قالة النملة الحكيمة العاقلة وتفهّم سليمان بأقل عجبا من هذه السفرة الطائلة ، ولا تجنّد الطير له والجن بأقل خارقة منها.
__________________
(١) تفسير روح المعاني ١٩ : ١٨٨.