(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) ٢٣.
«تملكهم» هي الملوكية المطلقة العنان وكأنهم عبيدها ، وقد تعني «تملكهم» الملك والملك معا ، فإن عنى الملك أتى بلفظه الخاص «امرأة ملكة» فقد عنى الأمرين وذلك انحس استبداد واستعباد.
فالسلطة المالكة للشعب هي الاستبدادية كما تؤيدها (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) مهما دلت (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) على لون من الشورى الملكية ، إلا أن «في أمري» هي امر السلطة المتأرجفة بما هددها سليمان ، فاضطرت الى استفتائهم ، ولا تدل (حَتَّى تَشْهَدُونِ) بعد (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) إلّا على أنها كانت تقطع أمورها برأيها على مشهدهم ومرآهم ، وعلّه دون شورهم وهواهم كما هو طبيعة الحال في الملكية ، وقد تعني «تشهدون» شهودهم لقطع أمرها كرئيسة للشورى ، ولكنها لها أمرها فيها إلّا أن تقنع بعدم صلوحه لحقل الحكم ، كما في قصتها الحاضرة إذ لم تقبل آراءهم وخطّأهم فيما رأوا.
(وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) هي بمناسبة «تملكهم» ليست إلا من كل الأشياء الملكية ، دون (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لداود وسليمان فانها بمناسبة الملكية الرسالية هي من لزامات السلطة الرسالية من خوارق العادات.
(وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) ما يدل على عظمها في سلطتها الملكية ، فهو عظيم في كونه ، عظيم في كيانه السلطوي على شعبها ، فما العرش إلّا رمزا للسلطة الملكية ، وقد خص بالذكر بين الحزم الملكي وثراءه وسعته وجنوده المجندة ورعيته المطيعة المملوكة ، لأنه يكفي اشارة نموذجية إليها كلها.
ومملكة سبإ واقعة جنوبي الجزيرة باليمن ، وقد كانت في تلك الفترة