للملك النبيّ (١) فترجع عقليتها متصاغرة أمام العظمة الرسالية ، معترفة أنها كانت ظالمة نفسها ف (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) في سابق حالي لحد الآن (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) دون ارباب مختلفة مختلقة سواه ، والتعويض عن «رب» ب (رَبِّ الْعالَمِينَ) للإفصاح الصريح عن رفضها لسائر الأرباب شمسا وسواها.
ومعية الإسلام هنا تصريحة أخرى بخالص الإسلام ، فليس إسلامي لسليمان لأنه وسيط ، وانما (أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) تذرعا برسالته الربانية (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وذلك بعد إسلامها له بمعنى التسليم والاستسلام قبل بلوغ الحجة واتضاح المحجة.
اجل وان رسل الله لا يدعون إلى أنفسهم ، وإنما إلى الله ، فكل من أسلم لله كان معهم كإخوة في الله ، فأين سليمان النبي بأعلى درجات التوحيد ، وملكة سبإ بأسفل دركات الشرك ، بون بعيد لا صلة فيه بينهما ، ولكنما الإسلام لله يرفعها إلى درجة الأخوة مع سليمان (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ)!
وتراه تزوج بها؟ قد يلمح له (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) فما أمرها بدخول الصرح وهو يعلم انها تكشف عن ساقيها ، إلّا قاصدا زواجها فلينظر إلى ساقيها كما نظر إليها ، ولو كان القصد مجرد اظهار العزة لكان يكفي البيان
__________________
(١) ومن طريف ما يروى في ذلك المضمار ما في الدر المنثور ٥ : ١١٢ ـ اخرج ابو نعيم في الحلية عن مجاهد قال لما قدمت ملكة سبأ على سليمان رأت حطبا جزلا فقالت لغلام سليمان هل يعرف مولاك كم وزن هذا الدخان؟ فقال : أنا اعلم فكيف مولاي؟ قالت : فكم وزنه؟ فقال الغلام : يوزن الحطب ثم يحرق ثم يوزن الرماد فما نقص منه فهو دخانه!.