تُفْتَنُونَ) ٤٧.
التطيّر هو التشاءم ، وهو من عادات المجاهيل المتّبعين الخرافات الجارفة والأوهام الخارقة ، حين يهم أحدهم بأمر يجهل صالحه من طالحه يلجأ إلى طائر يزجره فان مرّ سانحا عن يمينه استبشر ماضيا فى أمره ، وإن مر بارحا عن يساره تشاءم تاركا امرا حيث يتوقع ضره ، وما يدري الطير غيب الخير أو الشر وهو حيوان ، فهذا الإنسان هو أحون من الحيوان وأضل سبيلا.
هذا أصل التطيّر ، ثم غلب استعماله فى التشاءم ، ولأن الخير والشر راجعان إلى الإنسان بعمله ، وأنّ عمله معه لا يفارقه : أن يطير عنه إلى غيره أم إلى الفناء ، يسميه القرآن طائرا كما : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٧ : ١٣).
فطائر الإنسان ـ أيا كان ـ من خير أو شر ، هو معه كما هنا ، وهو عند الله كما في آيتنا : (قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) حيث الأعمال راجعة طائرة إلى الله ، محفوظة لدى الله حيث يستنسخها الله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٢٩) إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فكيف (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) حين لا تصدر اعمالكم خيرة أو شريرة إلّا منكم ف (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) ولا يصدر الجزاء الوفاق خيرا أو شرا إلّا من عند الله ف (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) فما منا في هذا الميدان سلب ولا إيجاب ، اللهم إلّا دلالة إلى الحق المبين بإذن الله! وليس طائركم معنا على أية حال (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) بجنّة الأوهام وظنّه الأحلام ، فإن تعليق الخير والشر بغير العامل نفسه ، إفضاء لكل عامل عن استقلالية الأعمال بآثارها ، وذلك أنزل دركا وانذل من المكائن الأتوماتيكية ، فإن نتائجها ترجع إليها دون اختيار منها ،