لما كانت الأرض قرارا ، وقد تبقى أسرار قرار الأرض مفتوحة للأجيال ، كلما اتسع العلم وارتفع أدركوا طرفا منها طريفا لم يكونوا يدركونه من ذي قبل!.
ومن خلفيات قرار الأرض (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) فانها قبل قرارها ما كانت تحن لماء ولا كلاء لشماس الحرارة البالغة الذروة ، وفي الحق أنهار الأرض هي شرايين حياتها بمن عليها ، منتشرة إلى أكنانها ومناكبها ، ريّا لأطفالها النبات والحيوان والإنسان من تلكم الثديّ الدائبة الإرضاع.
كما (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) على اثر البرودة فالأمواج المائجة من موادها الثقيلة الداخلية والخارجية الممتدة في حركاتها المعدّلة الدورانية حسب قانون الفرار عن المركز ، والرواسي هي في الأغلب منابع الأنهار حيث تجري منها مياه الأمطار إلى الوديان وتشق مجراها بسبب تدفّقها من قمم الجبال العالية. (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) حلوا ومالحا «حاجزا» وحجرا محجورا لا يرى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (٥٥ : ١٩)(١)(... هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (٣٥ : ١٢).
(أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) في هذه الأفاعيل المحيرة العقول؟ لا! (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيتقولون قولتهم المشركة جهلا حالقا قاحلا في تقليد أعمى ، ثم وأقلهم وهم المستكبرون يعلمون لكنهم (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٢٧ : ١٤).
إلى هنا استجواب في مشاهد الكون المشهودة لكل كائن عاقل أمّن دونه ، ثم إلى خاصة الأنفس في كل شارد ووارد :
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ
__________________
(١) راجع تفسير الآية في ج ٢٧ : ٢٦ الفرقان ففيه تفضيل حاجز البحرين فلا نعيده هنا.