الموصل إلى اليقين ، إما قصدا وتعمدا ، أو تساهلا وتجاهلا ، ثم (ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) إذ «علموا ما جهلوا في الدنيا» (١).
وكيف «منها عمون» دون «عنها»؟ حيث القصد شكهم فيها ، والامتراء في صحتها ، فهم في عمى منها ، إذ لا يعني ـ فقط ـ عماهم عن النظر إليها ، بل القصد ذكر عماهم بالشك فيها :
فقد عموا شاكين عن النظر فيها حتى عموا منها ، وهذا إضراب ثالث عن حالتهم الرديئة وجاه الآخرة فهم على علم مّا تجاهلوا فيه : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) وعنه إلى شك (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) ومنه إلى نكران (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) تنزلا عن قضية العلم بها إلى نكرانها!
وقد تعني «من» السببية فان عماهم عنها ـ دون الأولى ـ مسببة منها ، فانها دار حساب فثواب او عقاب ، وهم يبتغون زهرة الأولى وزهوتها ، والايمان بالآخرة والإبصار إليها يصدهم عما يهوون ، فهم ـ إذا ـ «منها» فقط ، لا الدنيا «عمون» وهكذا يصف الدنيا مطلّقها الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قائلا : «من ابصر بها بصرته ومن ابصر إليها عمته»!
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ٦٨.
وكيف يتحول التراب إنسانا كما كان؟ وقد تحول لأوّل مرة (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٥٠ : ١٥) (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) بل هم أحون من الحيوان وأضل سبيلا!
وهي كأنهم يحيلون تحوّل التراب إنسانا للمرة الآخرة ، وهم يرون
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٩٦ في تفسير القمي في الآية قال قال ...