مختلف التحولات الغامضة مدى الحياة ، فمن اين كانت الخلايا التي كوّنت منها هياكلهم الأولى ، فقد كانت مفرّقة في أطواء الأرض وأجواء الفضاء وأجواز البحر ، ومنها ما انبعث من جسد رمّ ... ثم تمثلت ما تمثلت هذه الخلايا في مختلف الطعام والشراب والهواء والشعاع ، ثم تجمعت هيكلا إنسانيا ينمو من بويضة عالقة في رحم حتى يطلع إنسانا فإذا هو خصيم مبين : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٣٦ : ٧٧)!
كيف أصبح الوعد بالبعث من أساطير الأولين وخرافاتهم المودوعة في مسطوراتهم ، المتنقلة فيما بينهم خلفا عن سلف ، وهو حقيقة تصدقها الفطرة والعقل والحس ، ويفرضها العدل؟!
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٦٩ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ٧٠.
وذلك السير المأمور به نبهة للغافلين يعم السير التاريخي الجغرافي ، والجغرافي التأريخي ، سيرا حثيثا مسيسا في كتاب التكوين آفاقيا وأنفسيا ، أم تدوينيا ، وأفضل السير فيه وأكمله دونما دجل ولا دخل أو دغل نجده في أكمل نسخة تدوينية عن نسخة التكوين وهو القرآن العظيم (١) حيث يسير بنا إلى مسرح الحياة الغابرة للأرض ومن عليها ، تبصرة وذكرى للذاكرين.
وليس السير في القرآن للمشركين حملا لهم على تقليد دون برهان حيث القرآن هو بنفسه قاطع البرهان على صدقه نفسه وانه كلام الله ، فصدق أنباءه
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٩٦ في كتاب الخصال وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) قال : معناه : أولم ينظروا في القرآن؟.