الغيبية تصديقا عن تحقيق ، والكون بكل جنباته حسيا وعقليا وعلميا وفطريا وفكريا يجاوب نسخته التدوينية : القرآن العظيم.
(قُلْ سِيرُوا .. فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) : القاطعين ثمرات الحياة قبل إيناعها ونضجها ، الجاعلين لطاقاتها ـ وجنى الثمرات غير الناضجة فيها ـ هباء منثورا ، فأصبحوا خواء بالعراء (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) إلّا باغية داثرة غامرة ، ضامرة هامرة.
وإذا هم لا يرحمون أنفسهم ولا يرعوون ف (لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) لماذا أجرموا وفنوا (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) إذ (ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٦ : ١٢٣) فلا تضيق ـ إذا ـ إلّا أنفسهم بما يمكرون.
وإذا كانت عاقبة الإجرام هنا ـ وليست هي دار الجزاء ـ هكذا ، فباحرى العاقبة الأخرى وهي دار الجزاء الأوفى ، فقد تلمح عاقبة العاجل لكونها أحرى وأتم في الآجل!.
وهنا نلمس حساسية مرهفة لذلك القلب الكبير الكبير كيف كان يحزن على مسير قومه الناكرين ومصيرهم كالسابقين ، وهم الماكرون به والمؤلّبون عليه ، ثم الله يطمئنه عن مكرهم ويخلصه عن الحزن عليهم ، ليداوم في دعوته الصالحة دونما فشل ولا عطل.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ٧١.
ويكأن صدق الوعد لزامه العلم بمتاه ومداه ، فهل إنّ جهلهم بمتى الولادة والوفاة لأنفسهم يحملهم هذا على نكران الولائد من ذي قبل ووفاتهم لوقت مّا؟ فكيف اختص التصديق ب (هذَا الْوَعْدُ) دون سواه ، بموقف العلم بمتاه ، فلولاه فكذب هو من أساطير الأوّلين!