ثم وبعد ما أوحي إليك يا رسول الهدى هذا الكتاب المهيمن في هداه دون نقص ولا ركس :
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) ٧٩.
إنه ليس التوكل على الله اتكالية دون سعي ، وإنما هو زاد الطريق الشاق الطويل المليء بالأشواك والدماء والأشلاء ، بعد التزود بكل الطاقات والإمكانيات المحوّلة والمخوّلة ، فقد خوّل إلى الرسول ذلك الحق المبين ، وحول اليه تحقيق هذا الحق المتين ، إذا (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في تحقيق هذه الرسالة الشاقة (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ) المطلق «المبين» لكل حق وكما يبين (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
وهذه تسلية لخاطر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) الجريح القريح ، وتأسية على جموع المشركين والكتابيين ولجاجهم وإصرارهم على النكران بعد الجهد الشاق في النصح والبيان ، و :
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ٨٠.
«إنك» على محتدك الرسالي (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) إذ لا سمع لهم ، وترى كيف الموتى لا يسمعون الأحياء وهم في حياة برزخية قد يسمعون أكثر منا وأقوى ، ولا سيما ان المسمع هو رسول الهدى؟ إن الموتى ليسوا في حياة التكليف حتى ينفعهم سمعهم هكذا ، والمقصود هنا السمع في حياة التكليف لتكاليف الشرعة ، فهؤلاء الموتى عن الروحية الانسانية وسمع الإنسان اذنا وقلبا «إنك لا تسمعهم ، حيث الإسماع بحاجة إلى سمع (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) وقد يسمع الصّم الدعاء إذا تسمّعوا أم لم يولوا مدبرين ، (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) كما و (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ... إِذا وَلَّوْا