الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٢٨ : ٨٣) فإذا كانت ارادة العلو في الأرض تمانع الدار الآخرة ، فبأحرى نفس العلو فيها لأنه فساد فإفساد فيها ، فبمجرد ان الطاغية أحس ـ ولمّا يلمس ـ أن هناك خطرا يحدق بملكه من إسرائيل ، وهم مئات الألوف لا يمكن نفيهم عن البلاد ، ولا القضاء عليهم أجمع ، ابتكر حينذاك طريقة همجية جهنمية للقضاء على الخطر المحسوس من هذه الطائفة المنسجمة ، غير المعتقدة في ربوبيته الأعلى من نواحي أربع : أن (١ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) (٢ يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) ـ (٣ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) ـ (٤ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ومن خلفيات العلوّ النحسة جعل الآهلين في أرض شيعا متفرقين ليذوق بعضهم بأس بعض ، فهم (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) (٣٠ : ٣٢) وبئس اللباس لباس الشيع للمجتمع : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) (٦ : ٦٥) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) (١٥ : ١٠) (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٥٤ : ٥١) ، فالشيع والأشياع في الدين والدينين ما يزيّغه الدين الحق ، اللهم إلّا شيعة الحق بلا أشياع متخلفين عنه أو مختلفين فيه ، وهذه شيطنة مدروسة من الطاغية في علوه ان (جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) متفرقين وهو من باب فرّق تسد ، وبالإمكان حينئذ أن يستضعف كلّ الشيع ، مهما كان استضعافهم دركات ، وقد كان من أسفلها استضعاف بني إسرائيل ، وكما «استخف (قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ).
فلقد فرق ـ فيمن فرق بينهم من القاطنين في مصر ـ شعب إسرائيل ، حيث استقدم يوسف من قبل أبويه وإخوته وأهله أجمعين من كنعان إلى مصر فتكاثروا وأصبحوا شعبا كبيرا ، فأخذت النعرة القومية والطائفية الفرعونية