فهل كانت أمه تخاف إلّا ذلك الالتقاط؟ كلّا! إلّا أن القدرة الربانية تتحدى بأسلوب سافر ، ففي حين يجنّد فرعون وهامان وجنودهما كل إمكانياتهم وعيونهم وإرصادهم على بني إسرائيل كيلا يتفلّت منه موعودهم ، فها هي ذي يد القدرة تلقيه في أيديهم مجردا من كل قوة بحنان لهم ومحبة (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)! ـ لماذا؟ (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ويكون لأمه قرة عين ولشعب إسرائيل نجاة عن فرعون وملإه! :
(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ٩.
«لا تقتلوه» خطاب الجمع للحشد القاتل من آمر ومأمور وسبب ومباشر ، وهذه شفاعة من ملكة البلاط ، وطبعا توثر أثرها إثرها ، لا سيما وانها مشفوعة ب (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ترغيبا في الإبقاء عليه بعد الترعيب عن قتله ، خطوتان مباركتان منها في سبيل الحفاظ عليه كما أراد الله!
(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) الخطر الحادق بهم من هذا الوليد اللقيط ، رغم ان التقاطه هكذا من اليم كان يشعرهم أنه من بني إسرائيل ، وإلّا فلما ذا يلقى بتابوته في اليم؟ طبعا هو إلقاء قاصد ترجيحا لغرقه بطبيعة الحال على ان يقع في فخ فرعون وملإه.
هنا (أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) تجعله محبوبا لآل فرعون ، لا سيما امرأته المؤمنة إذ تقول له قالتها : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) إذ ليس لنا ولد نأنس به ف (لا تَقْتُلُوهُ) تدليلا على تصميمهم لقتله (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) في ملكنا ، أم وأقرب من ذلك «أن نتخذه ولدا» ـ «وهم» كلهم (لا يَشْعُرُونَ) من هو هذا اللقيط؟
وهنا النص ساكت عما رده فرعون على قالة امرأته ، إلّا أنه ما قتله ،