أصبح فؤاد أم موسى فارغا عما كان من اطمئنان بوحي وعن كل شيء إلّا همّ موسى! وهي طبيعة الحال في قلوب الأمهات في هذه الحالات الفارغة التي تفرغ عن العقل واللب فتوصل القلب إلى حالة فارغة عما فيه من اطمئنان وايمان ، متعلقا بفلذة كبدها ف (أَصْبَحَ .. فارِغاً) لحد (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أنه ولدها وقد قذفته في اليم ، صارحة صارخة دون تفكير في العاقبة في تلكم الأجواء المراقبة ، فتقول هاتفة كالمجنونة : أنا التي ألقيته فألغيته ، فأغيثوني في ولدي الغريق في خضمّ اليم!
(إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) ربطة لا حقة لما سبقت من طمأنة الوحي (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بما وعدناها ، فيملأ قلبها من الايمان الاطمئنان فلا تبدي من أمره شيئا حتى يأتي وعد الله.
اجل وفي مثل هذه الحالة الموحشة المضطربة لا يتمكن انسان أيا كان أن يملك نفسه وقلبه الفارع إلّا ان يدركه الملك المنان.
وقد تعني «فارغا» الفراغ عن كل هم وغم ، لمّا رأته في البلاط الفرعوني قرة عين ، «فارغا» وفرحا لحد (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) انه ولدها (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) تضبيطا له كيلا تتفلت في مصارحة لا اختيارية (رَبَطْنا .. لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
ولكن (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) تشي إلى ضعف في ايمانها بفراغ قلبها ، فلما (رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) خرج عن فراغها إلى ايمانها بوعد الله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
ثم «وأصبح» هنا بعد اللتيا والتي ـ لا عند الوحي إليها ـ لا تناسب إلّا فراغ اللّااطمئنان ، وهذه طبيعة الحال في فؤاد غير المعصوم مهما اوحي اليه ما يطمئنه ، ثم (رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) تحكيم على قلبها المتقلب المتمزق المتفرق ، الفارغ الخاوي عما وعد الله.