وقد تؤيد ذلك الفراغ (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) بعد ردّه إليها ، والفراغ عن كل هم وغم هو العلم بان وعد الله حق!
وقد يلمح ذلك الفراغ لفؤادها ، أنها لمحت بالتقاطه ففزعت ، فلذلك :
(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ١١.
فهذه القالة بفراغ الفؤاد لمحة لامعة بقضية الحال ، أنها لما قذفته في اليم تبعته ناظرة إلى الأمواج اين تحوّله ، فبصرت به يلتقطه آل فرعون ، فأصبح فؤادها فارغا فقالت لأخته قصيه ، ولو لا أنها لمحت به خارج اليم لم تكن لقالتها هذه أية مناسبة!.
«قصيه» اتبعي أثره نحو القصر (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) إبصار البصيرة ، لا فقط ابصار البصر ، ف «أبصر» هي في ابصار البصر ، و «بصر به» هي البصيرة ، ام الإبصار في خفية ، ولقد بصرت به خفية وبكل وجودها «عن جنب» : مكان بعيد ومجانبة مزورة في نظرتها ألّا ينظر إليها وإلى نظرتها ، فالجنب يشملها (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنها بصرت به ، رغم الرقابة التامة التي هي قضية الحال في مثل ذلك اللقيط! أم (لا يَشْعُرُونَ) انها أخته لأنها ما بصرت به كأخت إلى أخ ، وإنما كمتفرج إلى القصر بشاطئ البحر ، وعلى أية حال كان بصرها به في خفية وسترة كيلا يخيّل إليهم إن رأوها أن لها صلة بموسى (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٢١ ـ اخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي روّاد ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لخديجة : اما علمت ان الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثوم اخت موسى وآسية امرأة فرعون؟ قالت : وقد فعل الله ذلك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال : نعم ، قالت : بالرفاء والبنين ، وفيه ـ