اليوم في رجولته ما لم ينالوه منه في طفولته ، ولكن اليد التي حمته هناك أحرى أن يحميه هنا : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي)! وتراه كيف عرف الطريق إلى مدين ولم تسبق له سابقة منه وليس يكفيه سئوال الرجل الناصح لاهتدائه على طول الخط في الطريق؟.
(تَوَجَّهَ تِلْقاءَ) دون «توجه إلى» قد تلمح انه توجه تلقاءه تلقائيا وما يدري هو انه متوجه تلقاءه ، وإنما الله هو الذي يدله إلى مدين ، و (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي) دليل أنه ما كان يعرف الطريق ، و (تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) دليل واقع التلقاء بما لقّاه الله ، وغير صحيح أن يسأل الناس عن الطريق وهو في مفازة المخافة ، متسترا مقصده عنهم فرارا عن كيد المؤتمرين به ليقتلوه.
(وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) ٢٣.
لقد وصل إلى مدين وورد ماءه ، وهو بطبيعة الحال بداية ورده البلدة ، وصل مكدودا مجهودا وهو بحاجة إلى رياحة ف (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) جماعة من مختلف الرعاء وسواهم يسقون أنفسهم وأنعامهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أبعد منهم إلى الماء بفصل فاصل (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) والذود هو المنع ، ولأن المتعلق هنا مطلق فقد يعم ذودهما اغنامهما عن التفرق ، وعن الخلط بأغنام الناس ، وعن ورد الماء حتى يصدر الرعاء ، وذودهما الناس عن أغنامهما ، وذود أنفسهما عن الاختلاط بالرجال ، وعن الاستعجال لورد الماء حتى يصدر الرعاء ، والذود عن أن ينظر إليهما ، وكل ذود هو قضية الأدب في الشرعة الإلهية للنساء بين الرجال.
فهل من الوجدان في ذلك الوجدان ألّا يتأثر موسى من حالتهما