ثم الضعف الطارئ من أعباء السفر الشاق الطويل ، على تخوّف ، وحرّ الشمس كما «ثم تولى» منها «الى الظل» هذه مما ينهك القوي ، فما أقواه موسى ان تغامض عن كل ذلك وسقا لهما قبل أن يصدر الرعاء دونما أجر حاضر ولا موعود ، إلّا مرضات الله.
(فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى) عنهما «إلى الظل» ليستريح عن حرّ الشمس ووعثاء السفر ، «تولّى» دونما تساءل آخر عنهما كيلا يخيّل إليهما أنه يريد منهما أجرا ، أو يهواهما زواجا بديلا عما سقا لهما ، وذلك هو العفاف القاصد القاسط أمام المحاويج من النساء الأغارب ، أن تقضى حوائجهن ثم يتولّى عنهن ، وهذا أرغب لهن إلى الزواج إن أردنه ، حيث التأبي الظاهر من الرجل القوي الأمين مما يثير رغباتهن.
(تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وما هو ما أنزل اليه ربّه؟ أهو الحكم والعلم؟ وقد أوتيهما من قبل! أم هو طعام يطعمه إذ كان جائعا مدقعا (١) فقد «والله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاف بطنه لهزاله وتشذب لحمه» (٢)؟
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٢٥ ـ اخرج ابن مردويه عن انس بن مالك قال قال رسول الله (صلّى الله عليه السلام) لما سقى موسى للجاريتين ثم تولى إلى الظل فقال رب اني لما أنزلت إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ـ قال : انه يومئذ فقير إلى كف من تمر.
(٢) نهج البلاغة قال (عليه السلام) وان شئت ثنيت بموسى كليم الله صلوات الله عليه إذ يقول (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) والله ...
وفي نور الثقلين ٤ : ١٢١ في الكافي عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : سأل الطعام ، والعياشي عن حفص البختري عن أبي عبد ـ