و (لِما أَنْزَلْتَ) تدل على خير منزل عليه ماض ، ولو كان هو الطعام الحاضر لم يكن بحاجة إلى دعاء الافتقار ، والصيغة الصالحة له «رب اني جائع» ام «فقير لما تنزله من طعام» ام ما شابه! اللهم إلا أن يعنى ب «من خير» القوة البدنية ـ اضافة إلى الروحية ـ التي استطاع بها ان يسقي لهما ، ففقره إلى هذه القوة يتطلب طعاما يتقوى به ليستمر في هكذا إعانات في وجه الله ، ام خير قضاء الحاجة حيث أنزله الله إليه فأدّى واجبه ، ثم يتطلب من ربه قضاء حاجة الجوع جزاء وفاقا ، و (لِما أَنْزَلْتَ) دون «إلى ما أنزلت» لمحة لطيفة إلى أنه يتسبب بما انزل إليه من خير لقضاء حاجته ، حيث اللام هي السببية.
أم يعني خير قضاء حاجتهما ، فهو مفتقر إلى مثله ، متأهب لقضاء كل حاجة نازلة اليه من عنده تعالى وذلك من شيم الخيّرين أن الحاجة المعروضة لديهم مهما كانت صعبة القضاء ، هي خير منزل من الرب.
كما ويعني الامرأتين ، أنني بحاجة إلى زواج إحداهما ، وقد تعني (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) كلما ذكر من خير الوحي والقوة البدنية والروحية ، وخير قضاء الحاجات ، وخير حاجة البطن : الطعام ، وخير حاجة الجنس : الزواج ، إظهارا للافتقار إلى كل ذلك ، وقد ذكرت اللام في (لِما أَنْزَلْتَ) لتعم السبب والغاية ، لسبب ما أنزلت وإلى ما أنزلت الي من خير فقير ، وقد
__________________
ـ الله (عليه السلام) في قول موسى لفتاه : آتنا غداءنا وقوله (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال : انما عنى الطعام فقال ابو عبد الله (عليه السلام) ان موسى لذو جوعات ، وعن ليث بن سليم عن أبي جعفر (عليه السلام) شكى موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع : (آتِنا غَداءَنا ..) (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) ـ (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).