أجاب ربه دعاءه من فوره ، وقد يستبعد من ذلك المحتد الرسالي طلب الطعام وله من القوة ما يسقي لها و «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي قوة سوي» (١) اللهم إلّا ضمن طلباته ليقوى على ما أعان ، فعلى أية حال فليس يختص (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ) بطعام يأكله ، إذ لم ينزل عليه بعد إلّا عند شعيب ، وقد أنزل عليه من قبل الجاريتين بحاجتهما ، ولذلك فرع مجيئهما بدعائه كإجابة عاجلة :
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ(٢) لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ٢٥.
لما «قال (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ـ (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) دون فصل إلّا قدر السير المرجّع إلى أبيها ، حال انها (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) فان أمرها ظاهر ، ولا سيما أنها تجيء إليه وهو خلاف المتعود من خطبة النساء ، وقد تلمح «على» بتأكد الاستحياء وأنها علت عليه بما جاءته ، وإلا ما كانت لتجيئه ، وان «استحياء» منكرة تعظمه حيث المعرف «الاستحياء» هو المعروف المتعوّد من العفائف ، فقد كان استحياء عظيما منقطع النظير ، وبالفعل جاءته .... و (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ ..) جاءته جيئة جيّة في غير ما تبذّل ولا تبرّج أو إغراء ، وإنما للإيواء إلى كريم البواء ، جاءته يدعوه في أقصر لفظ واكثر معنى يحمل استدعاء إجزاء الجزاء دون لفظة أخرى تتغنج بها الفتاة بطبيعة الحال فيتهيج بها الفتى في نفس الحال ، كلّا وإنما (أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا)!.
وتراه كيف ساغ له اتباع امرأة في قولها ، ثم المشي معها وهي
__________________
(١). التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٤ : ٢٤٠ ـ أليس انه (عليه السلام) قال : ...