وتقاعصا عنها وانتكاسا ، وإنما يعرض حاله الحرجة ليطمئنه ربّه فيها ، ولا سيما بالنسبة لتصديق الدعوة ، فإنها هي المهمة الأولى للداعية مهما قتل دونها ، ولذلك تراه لم يتطلب من ربه علاجا صراحا عن قتله ، وإنما العلاج المستدعى فى (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) وهو (أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) مما يبين ان مهمة الداعية هي نفاذ الدعوة مهما قتل في سبيلها!.
وكيف (أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) ولا بد لولي العزم من الرسل أن يكون أفصح من سائر الرسل كما هو أصلح؟ إنها فصاحة وقتية وليست أصلية ، فقد كانت في لسان موسى عقدة عن الإفصاح الكامل ، لا لرتّة في لسانه ، بل لأنه قتل منهم نفسا ، والمذنب عند قوم لا ينطلق لسانه كما يجب : (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) (٢٦ : ١٣) ـ (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ...) (٢٠ : ٣٢) وقد شرحناها في طه بما لا مزيد عليه فلا نعيد.
وهلّا يكذبون أخاه هارون وهو أهون تكذيبا منه كولي له في الرسالة؟ إنه يعني افصاحا كاملا للدعوة ، بعيدا عن التكذيب ، أو أن يؤثر فيها التكذيب ، وإنما أنا المذنب عندهم لا ينطلق لساني في بزوغ الدعوة كما يجب ، وقد يأخذني الغضب فيحرّج موقف الدعوة والداعية ، واخي هارون هو أفصح مني في صيغة الدعوة ، وإن كذّبت يصدقني فيها تزويدا في البيان وتأكيدا لصدق الدعوة ، وتبينا للبرهنة ، إذ لا تكفي الآية المبصرة ما لم تزود بآية الحجة البصيرة ، ومزيج الآيتين يأتي حجة بينة لا مدخل إلى تكذيبها.