وهنا عليهم ردود عدة تلميحة وتصريحة ، ومن الأولى المعطوف عليه المعروف ل (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ ..) ك : الم نمكن المؤمنين طول التاريخ الرسالي ونورثهم الأرض كما في بني إسرائيل والذين من قبلهم ومن بعدهم حتى هذه الرسالة الأخيرة ، مهما تحملوا ـ على طول الخط ـ صعوبات هي طبيعة الحال في مسيرة الايمان بسيرته خلاف اللّاإيمان.
ومن التصريحة كرد حاضر هو المعطوف هنا (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ ..) فقد مكنه الله لهم وهم مشركون ، (حَرَماً آمِناً) يحترمونه فلا يحاربون فيه إلا شذرا نذرا وهم عارفون تلك الحرمة المنقطعة النظير في ذلك الحرم المحترم (١).
فمن ذا الذي مكنه لهم حرما آمنا ـ وهم لا حرمة لهم ـ إلّا الله ، أمنا تكوينيا وتشريعيا ، فأحرى لهم ذلك الأمن إن آمنوا وطبقوا شرائط الايمان.
وهنا «آمنا» بدلا عن «مأمونا فيه» للتدليل على مدى الأمن فيه كأنه هو الأمن فضلا عن قاطنيه كما (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٣٢ : ٩٧) ثم الكعبة المباركة يزيد أمنا لحد كأنه بنفسه الأمن : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) (٢ : ١٢٥) ومما لا يريبه شك ان مكة المكرمة هي أءمن البلاد تكوينيا
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١٣٥ في روضة الواعظين قال علي بن الحسين عليهما السلام كان ابو طالب يضرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى أن قال ـ : فقال ابو طالب : يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت ام الى قومك خاصة؟ قال : لا بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي ، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعون السنة فارس والروم ، فتخيرت قريش واستكبرت وقالت : اما تسمع الى ابن أخيك وما يقول؟ والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا وتقلعت الكعبة حجرا حجرا فانزل الله تبارك وتعالى (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى ..). أقول : طبعا لم يكونوا هم كلّ قريش ، وانما هم الذين وجموا بتلك البراهين ولم يبق لهم عذر إلا هذا ، كما تدل الآية.