فينا ، بل ومعنا غيرنا وهي اهوائكم التي دعتكم إليها! وهي الأصل في عبادتكم المتخلفة ، تبرأنا إليك من جريمة إغواءهم ، ومن عبادتهم لنا ، ومن ان يكونوا ـ في الحق ـ يعبدوننا فقط ، وإنما هي أهواءهم (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (٤٥ : ٢٣) فانما عبدوا أهوائهم مبدئيا ، ولذلك أطاعونا فيما أغويناهم ، إذ وجدوا فينا أهواءهم ، وأما أنهم ما دعوهم إلى عبادتهم فلا تصريحة لها ولا لمحة ، بل و «أغويناهم» وأضرابها تصريحة لهذه الدعوة النكدة الناكبة.
(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) ٦٤.
(ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لينجوكم من عذاب الله كما وعدتم فيهم «فدعوهم» شاءوا أم أبوا إذ لا خيرة في أمر الله هناك (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) فيما دعوهم إذ لا يستطيعون ، وهم من الذين حق عليهم القول ، وذلك عذاب نفسي فوق العذاب ، ثم (وَرَأَوُا الْعَذابَ) من فورهم متحسرين متمنين (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) فلا يرووا العذاب ، وقد تعني «لو» هنا استحالة ذلك المتمني فقد مضى يوم خلاص ولات حين مناص ، إذ يتمنون لو ردّوا فاهتدوا فلم يروا يومئذ لعذاب.
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ٦٥.
هذا سئوال تأنيب وتهييب والله يعلم ماذا أجابوا المرسلين ، وكما المرسلون يسألون ، إلّا أن هناك تخجيلا وهنا تبجيل : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ ..) (٥ : ١٠٩) ، لا جواب هنا ولا هناك ، فهنا (قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) احتراما على علمهم بما علمهم الله ، وهناك تحيرا وانبهارا :