إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٢١ : ١٠١).
قال الأولون (رَبَّنا هؤُلاءِ) المشركون الأتباع (الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) فطبيعة الغاوي هي الإغواء ، كما طبيعة المهتدي هي الإهداء ، مهما كانت باختيار دون إجبار كما هيه ، فكما غوينا دون قسر ، كذلك أغويناهم دون قسر ، فلا سلطان على القلوب في غواية (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) (١٢ : ٢٢) (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ. فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ. فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) (٣٧ : ٣٢).
(تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أترى «ما» هنا موصوفة ، المتبرّء منه إلى الله هو عبادتهم إيانا ، وهو في معنى قول قائدهم الأوّل : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (١٤ : ٢٢)؟ وصيغته الصريحة «تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا»! أم موصولة ، فالمتبرء منه هو أنفسهم؟ وصيغته الصريحة «تبرأنا إليك منا حيث عبدنا»! أم هي نافية نكرانا لعبادتهم إياهم كما (قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) (١٠ : ٢٨)؟ وقد تكون «أغويناهم» تثبيتا لعبادتهم إياهم!
وعلّ الكل معنية فإن لكلّ شاهدا ، ف «أغويناهم» مهما كان تثبيتا لعبادتهم إياهم ، ولكنها في الأصل عبادتهم لأهوائهم ، فهي هي آلهتهم التي ألهتهم عن عبادة الله إلى ما تهواه أنفسهم من دون الله ، و (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) من عبادتهم إيانا ومن أنفسنا إذ عبدنا (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) عن عبادتهم إيانا إذ ما كانوا إيانا يعبدون ، وإنما يعبدون أهواءهم ، ام لم تنحصر عبادتكم بنا ، بل ومع اهوائكم وهي البادءة فيها ، كما يلمح تقديم «إيانا» فلم يقولوا : «ما كنتم تعبدوننا» فإنها كاذبة ، بل (ما كُنْتُمْ إِيَّانا ...) أي ما انحصرت عبادتكم