التكوين والتشريع (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣٣ : ٣٦) مع العلم أن خيرة الرسول إنما هي خيرة الله إذ لا يختار ما يختاره إلّا بوحي من الله ، و «ما كان» نهي وليس نفيا يسلب عنهم أي اختيار. ومن اختياره تعالى أمر التشريع أن يختار الرسول الحامل لشرعته ، وأوصياءه المحمّلين تبيين شرعته ، فكما له اختيار الرسول دون سواه ، كذلك له اختيار أوصياءه لا سواه ، وترى (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) تنفي عنهم الإختيار في الأفعال التكليفية؟ كلّا! والإختيار فيها ثابت بدليل العقل والكتاب والسنة ، والإختيار المنفي عنهم يختص بما يختص اختياره بالله ، كخيرة الخلق والأمر تشريعا وسواه من أمر الخلق ، وكذلك الاختيار المطلق في الأفعال الاختيارية ، فلله الإختيار المطلق في كل ما يختار ، وليس لنا مطلق الإختيار إذ قد تمنعنا موانع عما نختار ، ثم قد نختار صالحا أو طالحا لا يختاره الله تكوينا فهنالك يكلّ الإختيار كما في ذبح ابراهيم ولده ، وفي حرقه (عليه السلام) بالنار ، إذ لم يؤثر الإختيار هنا وهناك.
فالاختيار المنفي عنا في حقل التكوين هو الإختيار المطلق ، وفي حقل التشريع هو مطلق الإختيار ، فحين «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» لم يكن لنا في أفعالنا الاختيارية الإختيار المطلق ، فانه تفويض فإشراك بالله في ذلك الاختيار (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، وحين لا شارع إلّا الله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (٤٢ : ٢١) فمطلق الإختيار لنا في التشريع ـ وإن في حكم واحد ـ إشراك بالله (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
كما وأن اختيار الرسل وأوصياءهم الحملة لرسالاتهم من غير الله إشراك