والربوبية ، توحيد بيّنة الجهات ، محلّقة على كلّ النشآت ، في الذات وفي صفات الذات ، يزيل كل وحشة ودهشة عن المؤمنين به ، مطمئنا إياهم على أية حال ، في كل حلّ وترحال.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) ٧١.
سرمد الليل ـ وهو تداومة عذاب ـ كما سرمد النهار عذاب ، وقد تلمح له «عليكم» هنا وهناك ، و (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) فيها لاختلاف شروط الحياة في الدارين ، فليكن القياس في المعروف من الحياة الأولى ، وترى كيف يجتمع سرمد الليل وإتيان الضياء فيه وهما لا يجتمعان مهما كان هناك إله يأتي بضياء ، فالمحال محال سواء أكان لله ام لإله سواه؟
ليس القصد هنا إلى تحدّي الجمع ، بل هو نقض الإرادة الإلهية في سرمد الليل المعروض ، فلو كان هناك إله يريد ليرحمكم عن بأس الليل السرمد لقسم الزمان الى ليل ونهار كما قسمه الله ، أو (يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) دون (نهار) هو من تعميم التنازل ، أنه إذا يأتي بنهار فليأت بضياء مهما كان بغير الشمس ، لأن سرمد الليل يقتضي تباعد الشمس لحد لا تضيء هذه الكرة ، وإذا أتي بالشمس فقد أتي ـ بطبيعة الحال ـ بكلا الليل والنهار قضية حراك الأرض الدورانية.
والقصد من ذلك التحدي ليس هو نقض الإرادة الإلهية ككل ، بل هو تتميمها لو أنه جعل عليكم الليل سرمدا ، فليكن الإتيان بضياء دون نهار فيه استئصال إرادته عن بكرتها.
فالناس متشوقون إلى فلق الصباح حين يطول بهم الليل أيام الشتاء ، أم لا يهنأ لهم الليل لعارض يعرضهم ، فيحنّون إلى ضياء الشمس ، فكيف بهم لو فقد الضياء عن بكرته ، فان سرمد الليل بظلامه يظلم الحياة