ف «قل» على أطلال تلك البشارة السارة بكل قوة وسداد ، لهؤلاء الذين كفروا بك وانكروك وأخرجوك «ربي» الذي رباني لهذه الرسالة القرآنية المفروضة عليّ (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) وذلك لائح من التربية الرسالية الباهرة فيّ ، وهو (أَعْلَمُ ... مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وقد يبين ذلك في «معاد» مكة و «معاد» الرجعة ، ثم في «معاد» يوم القيامة!.
ذلك رجاءك بما نعدك غير مكذوب ، كما وألقينا إليك الكتاب ولم تك ترجوه :
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) ٨٦.
(ما كُنْتَ تَرْجُوا) حيث المعدات ـ المتعوّدة العلمية لتلقّي ذلك العلم القمة ـ منفية ، ومكة بلدة جاهلة قاحلة ، والفترة البعيدة الرسالية ، وقومك اللّد ضد الرسالة ، هذه واضرابها مما تقطع الرجاء عن إلقاء ذلك الكتاب الكافل للدعوة العالمية في الطول التاريخي بالعرض الجغرافي.
و (أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) دون ان ينزل ، لمحة أخرى إلى عدم الرجاء ، حيث الملقى إلى مكان قد تلغى فيه ظرفية المكان ، وكل ذلك اليأس هو قضية الحالة الظاهرة ، ولكنما الهالة الباطنة الزاهرة ، كانت تتطلّب تلك الرسالة الباهرة ، ف (ما كُنْتَ .. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) حيث رباك تربية خفية حفية لتلك الرسالة البهية ، ليناسب منزل الوحي نازله ، مهما لم يكن يرجوه صاحب المنزل.
و (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) استثناء متصل إذ كانت رحمة ربه له مرجوة ، عائشا بين (ما كُنْتَ تَرْجُوا) كنفسه بظروفه آفاقية وانفسية مهما كان بالغ القمة المعرفية ، وبين (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) إشراقة رحيمية من ربه الذي رباه لهذه الكرامة الكبرى والدرجة العليا ، فجملة القول في هذه الآية هي الحالة