اتبع الجمع الحاذر الغادر شرذمة قليلة «مشرقين» حالة الإشراق ، وطبعا بسرعة اكثر منهم حتى يلحقوهم لحد الترائي ، والمعركة المصيرية بالغة الذروة والضراوة ، والمشهد قريب إلى النهاية ، فموسى ومن معه أمام اليم ليست معهم سفن وزوارق يجتازون بها ، وقد قاربهم فرعون بجيشه الجبار شاكو السلاح ، مستعدين بكل قواتهم للقضاء عليهم ولم يبق هنا أمل للضفة المؤمنة إلّا المعية الربانية وقد أدركتهم كما وأهلكت الآخرين.
(فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)(٦١).
إن هي إلّا دقائق ونحن مدركون ، فقد بلغ الكرب مداه ، هجمة الموت الهمجية الهائجة ولات حين مناص ، وفات يوم خلاص ، فإما خوضا في اليم فغرقا ، أم نظل هنا كما نحن فحرقا! والترائي هو التقارب والتداني لحدّ يصبح كل بمرأى الآخر ، وإن لم ير بعضهم بعضا بموانع كمثار العجاج ، ورهج الطّراد ، فالمراد هو تقارب الأشخاص ، لا ـ فقط ـ تلاحض الأحداق وكما يقال في حين متقاربين تتراءى نارهما.
(قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٦٢).
كلا! لا إدراك لو كان لكم إدراك ، ولا هلاك إلّا لعدونا إن كنتم مؤمنين (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي) معية العلم والنصرة ، لا يفارقني عند المهالك ، ولا يتخلى عني في المعارك ، فلا يذلني أو يضلني ، بل «سيهدين» بخارقة ربانية كما هداني في المباراة ، وفي كل ما هو آت ، إن ربي دعاني لهذه المسيرة فهو الذي يكلأني ويرعاني (١) ، وان لم ير بعضهم بعضا بموانع كمثار
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٥٥ في مناقب ابن شهر آشوب ابراهيم بن أدهم وفتح الموصلي قال كل واحد منهما كنت أسيح في البادية مع القافلة فعرضت لي حاجة فتنحيت عن القافلة وإذا أنا بصبي يمشي فدنوت منه وسلمت عليه فردّ عليّ السلام فقلت له : إلى اين؟