عن كل معانيها ومغازيها.
هنا يخرس قومه وأبوه عن إجابة قاصدة عاقلة إلى ما تعوّدوه من قولة لاغية :
(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ)(٧٤).
لا حجة لنا فيما نعبد إلا تقاليد الآباء ، ولكن : ألم يكن الموحدون من أنبياء وسواهم من آبائهم ، فهم تاركوهم ، ثم هم على آثار المشركين منهم يهرعون ، ثم السؤال ينتقل إلى آباءهم المشركين ، وليس الجواب إلّا نفس الجواب (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) فليصل إلى الأب الأول أول الموحدين ، فلما ذا تركتموه على أبوته الأولى ، إلى المتخلفين من ولده المشركين ، ترجيحا للمفضول على الفاضل؟
(قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ)(٧٧).
فقد عبد شطر من آباءكم الأوّلين رب العالمين ، وعبد آخرون سواه ، «أفرأيتم» نظرا إلى كيان المعبودين إلها وسواه؟ (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) جميعا (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) عداء للفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وللعقلية الانسانية وما دونها ، ولأية مرحلة دانية من الإدراك ، فإنهم كلهم بمعبوديهم من المربوبين لرب العالمين.
فالاستثناء ـ إذا ـ متصل ، حيث الآباء الأولون لم يكونوا جميعا من المشركين ، وفي ذلك الانضمام تأشير عشير أن آباءكم الأقدمين لم يكونوا كلهم مشركين ، ثم (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) جمع بين العابدين والمعبودين ، الجدد والأقدمين ، إشارة إلى أن القدمة بمجردها ليست دليل القبول ، فليخلط القديم والجديد ، وليقبل منهما القابل للتصديق.