ان مثل الخليل يطلب من الجليل ان يجعله من أهل الجنة ، على علو محتده!
(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) ٨٦.
وقد يكون ذلك التطلّب من خطيئاته ، غير المحرمة في شرعة الله ، حيث لم يصب فيها واقع الأمر كما استدركه له ربه (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (٩ : ١١٤) واستثني من الأسوة به ذلك الخطإ ، غير القاصد (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ ... إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ..) (٦٠ : ٤).
وعلّ الموعدة هي المفهومة من قول أبيه (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) كما شرحناه في مريم ، وذلك الاستغفار كان في بداية عمره ومفتتح أمره قبل حكمه الموهوب ، ثم لم نسمعه يدعو في خاتمة أمره وعمره إلّا : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) (١٤ : ٤١) دون ابوي ، وقد تبرء من أبيه منذ دحر طويل ، فوالده ـ إذا ـ غير أبيه كما فصلناه في محالّه.
وقد تلمح (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) الى ضلاله المحتوم قبل موعدته التي أخرجته عن حتمه ، والضال المتحري عن الحق ليس كالمتجري على الحق ، فيدعى للأوّل دون الأخير.
وذلك من حنانه في الدعوة لمن هو كوالده في شأنه التربوي ، مهما كان مشركا ولكنه (.. وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أصبحت كوعد له بالإيمان فسلم عليه ووعده الاستغفار (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (١٩ : ٤٧).
وقد يبدو من (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) انه كان قبل موته ، وقد تبين له خلف وعده وأن لم يكن (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ليجد مجالا للتفكير ، وانما مجالا مليا كيلا يسمع دعوة الحق ثم لكل حادث حديث.