فبطبيعة الحال لم يكن هذا الدعاء فور تركه أباه ، وانما بعد مليّ أم لمّا اوتي حكما فتبين له انه عدو الله.
(وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ٨٧ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ٨٩.
وكيف «لا تخزني» بعد (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ)؟ إنه دعاء وليس هو في واقعه حتى يتقدم سلبه على إيجابه ، ثم هو مع إيجابه دعاء على تخوّف من سلبه ، وهذه قضية أدب العبودية حيث يحصر النصرة في الله ، فإذا لم ينصره في الدنيا أو الآخرة خزي ، وكما كان يدعو رسول الهدى (ص) في صلاته «اللهم لا تخزني يوم القيامة» (١).
وليس من الخزي المطلوب سلبه دخول آزر في الجحيم ، إذ لم يكن والده وقد تبرء منه قبل موته ، فرواية الخزي مخالفة لكتاب الله وساحة الرسول (ص) بريئة من أمثالها (٢).
ثم (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) (١٦ : ٢٧) فكيف يستسلبه ابراهيم عن نفسه؟ ان الخزي ـ وهو عدم النصر ممن يؤمل منه النصر ـ قد يكون طاما في دركاته فهو للكافرين كما السوء ، وقد يكون جانبيا
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٩٠ ـ اخرج احمد عن رجل من بني كنانة قال صليت خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عام الفتح فسمعته يقول : ...
(٢) في الدر المنثور ـ اخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة يقول له ابراهيم : الم اقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول ابراهيم : رب انك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزي من أبي الأبعد؟ فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال : يا ابراهيم ما تحت رجليك؟ فإذا هو بذيخ متلطخ فيوخذ بقوائمه فيلقى في النار.