من الإنسان أيّ من أشياءه عقلا وعلما وجسما ، فالفطرة الإنسانية ثابتة كحجة بالغة لا تزول.
فالمؤمنون من الأوّلين كانوا يتقون ، والمتخلفون منهم عن شرعة الله هم المتخلفون عن جبلتهم فلما ذا قفوا آثارهم ، فأنتم على آثارهم تهرعون؟! (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ١٨٥ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ١٨٦.
صيغة مطردة مكرورة بين المكذبين برسالات الله ، كأنهم تواصوا به! شيطنة مدروسة مدسوسة بينهم كشريطة تدار على أسماع الدعاة إلى الله.
ولا فحسب التكذيب ، بل والتحدي بأن يأتوا بعذاب الله إن كانوا صادقين :
(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ١٨٧ قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) ١٨٨.
(رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فلست أنا ولا أنتم ، وهو أقدر أن يأتيكم بعذاب ، وما أنا إلّا رسول لا أقترح على ربي أصل العذاب ولا كمّه ولا كيفه (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) (٤٦ : ٢٣).
فحتى إن لم يأتكم عذاب لم يدل ذلك على كذبي في رسالتي ، فانها رسالة وليست ألوهية تقتضي القدرة على إتيان العذاب ، ولا وكالة عن الرب أو نيابة تستدعي استجلاب العذاب.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ١٨٩.
هنا عذاب يوم الظلة ولمدين الصيحة : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ