الكيل يخص المكيل فامر ثان يخص الموزون :
(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) ١٨٢.
وهو الميزان أيا كان ، واستقامته هو اعتداله في الوزن ، وقد يكون القسطاس مستقيما والوزن غير مستقيم ، فليكن «المستقيم» وصفا لكلا الوزن والقسطاس ، ثم ونهي يحلّق على كل إخسار وبخس كيلا أو وزنا أم أيا كان في المعاملات الجماعية اقتصادية وثقافية وسياسية وأخلاقية أمّاهيه :
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ١٨٣.
والبخس هو النقص ، و «أشياءهم» تعم كل أشياءهم في مخمّس النواميس وملحقاتها : نفسا ودينا وعقلا ومالا وعرضا ، فالبخس إياها محرم ، وتركها تخرم أيضا محرم ، ومحاولة التعاون في كمالها راجحة أم واجبة ، فإخسار الكيل واعوجاج القسطاس وبخس أشياء الناس إفساد ، والعبث في الأرض إفسادا وهو السعي فيه إفساد على إفساد ، في أية ناحية من واجب الصلاح والإصلاح من النواميس الخمس.
فالإفساد الاقتصادي له دور هام بين سائر الإفساد ، ينهى عنه كما ينهى عنها في سائر الشرائع الإلهية ، إصلاحا للحالة المعيشية التي تلعب دورا عظيما في صالح الناس ، وإبعادهم عن شر النسناس الخناس.
وأخيرا يستجيش شعيب مشاعر التقوى في نفوسهم كما بدأ ، تذكيرا لهم بخالق الخلق أجمعين :
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) ١٨٤.
«الجبلة» هي الخليقة المجبولة المطبوعة بطابع الفطرة التي فطر الناس عليها ، فهي كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، فمهما تحرك