... إنها جولة في مصارع الغابرين عبرة للحاضرين بعد تلك الجولة العابرة في خلق السماوات والأرضيين ، مما تهز القلوب المقلوبة وتعز الصافية النقية (فَإِنْ أَعْرَضُوا) بعد ذلك العرض العريض للرحمة الكونية والشرعية الشاملة ، وتلكم البراهين الكاملة على التوحيد «أعرضوا» عن رب العالمين ، فلا دواء لدائهم العضال إلّا أشد الإنذار (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) تصعقكم (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أفهذا هو بنفسه الإنذار؟ وصيغة الماضي تضربه إلى ماض! فأين كان ذلك الإنذار ـ إذا ـ ومتى؟ لا نجد في سائر القرآن إنذارا لهم سابقا كصاعقة عاد وثمود أم أية صاعقة ، فذلك ، ـ إذا ـ هو هو بنفسه ، تعبيرا بماض تأكيدا لمستقبل قاض! أم إنه إنذار ماض فيما استعرضت صاعقة عاد من آيات ، فإن قصص القرآن عما مضى بشارات وإنذارات لمن يستقبل ، ولا يعنى من قصّها على اللاحقين إلّا عبرة (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٢ : ١١١) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٧٩ : ٢٦).
ولأن الإنذار ليس إلّا بواقع يستقبل المنذرين أم في حال ، فلتكن لهم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأين هي وأنى؟
لعاد وثمود والمصعقين من قبل ومن بعد ، قد تكون صاعقة في الأولى وأخرى في الأخرى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (١٦) أم هي ـ فقط ـ في الأخرى كما هنا!
فلأن صاعقة الأخرى هي أخزى فقد أنذروا بمثل صاعقتهم وأخزى ، فإن عذاب الأخرى أشد وأنكى ، إذ تضم لهم إلى صاعقتهم ما استحقوها في الأولى ، فاولى لهم ثم اولى!
والصاعقة هي التي تصعق غشية أو إماتة من صواعق الرعد والبرق :