الشهداء ، ولكي لا يخلد بخلده نكران ما افتعل ، ويذكر ما فعل بعد نسيان ، فواقع (أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) يبرز تنطّق الأعضاء ، و (خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يفرضه كحكمة عالية ، إذا فالجواب هو مشهد الواقع وشهادة الحكمة ولات حين مناص!
(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)(٢٢).
هنالك تمّت الشهادات وتم الجواب ، وهنا الله يعقّب تكملة الجواب (وَما كُنْتُمْ ..).
وكما الاستتار عن التسجيل حين الأقوال والأعمال غير ما كن ولا ممكن حيث المسجّل المستنسخ لها هو الله : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٢٩) وأنتم لا تعلمون ، كذلك بأحرى (ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) هنا (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ) ما تلقتها من أعمال ، إذ (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)!
وقد كان ما كان من ظنهم هذا أنهم يخفون عن الله كثيرا من خافية أقوالهم وأعمالهم ونياتهم ، فنزلت الآية تنديدا بظنّتهم ، علاجا لعلتهم ، تنبيها نبيها عن غفوتهم ولمّا يموتوا ويحشروا على وجوههم إلى جهنم (١) :
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٣٦٢ ـ اخرج سعيد بن منصور واحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال : كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وثقفيان او ثقفي وقرشيان كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم أترون ان الله يسمع كلامنا هذا فقال الآخر إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمع فقال الآخر ان سمع منه شيئا سمعه كله قال فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ..).