ثم هو آخر نظرا الى سلسلة السلوك المعرفي ، فهو آخر منازل السالكين ، وغاية الباغين.
وترى إذا انحصرت به الآخرية الأبدية كما الأولية الأزلية ، فما هو دور الآبدين في الجنة إذ وعد لهم (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ؟).
أقول : إن أبديتهم لو كانت بمعنى اللانهاية ، انها زمنية عارضية غيرية ، فهم آبدون بفضل الله ورحمته ، فمن ذواتهم هم بائدون لا يملكون أبدا ولا حياة ، فهم في أبدهم لهم آخر في ذواتهم ، كما وأن لزام الزمن لكيانهم يحكم بأن لهم آخرا كما لهم أول ، وهذه تختلف عن الآخرية الأبدية الإلهية اختلاف العدم عن الوجود ، فقد «كان الله ولم يكن معه شيء» ، والآن كما كان وسوف يكون كما كان ، لا يقارنه أيّ كان ، وليس معه شيء أيا كان ، ليس معه في أي زمان أو لا زمان ، وإنما كيان كل «كان» : إنه من جلوات قدرته ، وكما لا تختلف حاله تعالى بعد الخلق عما كان قبله في السرمدية ، كذلك أحوال الخلق فإنها لا تختلف من حيث الفقر والعدم الذاتي ، لا تختلف بعد خلقها عما قبل ، اللهم إلا بظهور الوجود ، دون استقلال ولا لحظة ، فضلا عن الأبدية ، اللهم إلا بفضل الله.
ومن الفوارق بين الأبدين ، أن الإلهي منهما لزام الأزلية ، والثاني لزامه الحدوث والبداية.
هذا ، ولكن الحق أن لا أبدية للخلق وإن كانت عرضية ، فان الزمان محدود أيا كان ، وما له بداية لا بد أن تكون له نهاية مهما جهلناها ، ومن ميزات اللانهاية أنها لا تقبل الزيادة والنقصان كما اللابداية. ترى لو نقص من زمن الجنة سنة أو زيدت ، ألا تنقص اللانهاية لها ولا تزيد؟ فإن لا ، فلتكن زيادة سنة ونقيصته على سواء! وإن بلى ، فهذا ينافي اللانهاية اللامحدودية (١).
__________________
(١). راجع كتابنا (حوار) بحث الأبدية والأزلية ص ٤٣. وهنا أحاديث تدل على زوال كل شيء ، كما أخرجه في الدر المنثور ٦ : ١٧١ في دعاء الرسول (ص) «.. والكائن بعد ما لا يكون شيء ..».