الزاوية الثالثة في مثلث كيان الإنسان ، بما يتطلبه من الفطرة والعقل والفكرة ، ولكي تكون مادة للبيان ، وإلا فممّ وعما البيان؟!
وترى ما هو البيان؟ لكي يحتل من ميزات الإنسان قمتها! هل إنه إظهار ما في الضمير من الواقع ومن الطلبات؟ فقد يشاركه الحيوان ، كل مع ذوي نوعه وبحسبه ، كما الإنسان مع سائر الإنسان! أو انه بيان باللسان ، وبيان بالإشارة ، وبيان بالقلم ، وإلى سائر البيان : كافة الوسائل التي يتذرع بها ل «بيان كل ما يحتاج إليه الناس» (١) ما يحتاجه صاحب البيان أو غيره من إنسان ، بيان الإفادة والاستفادة ، بيان الإحتجاج أو طلب الحجة على ما يرام ، وترى أن للحيوان هكذا بيان؟ مهما كان له إظهار لما يتطلبه بإشارة أو لسان! كلا وانه الإنسان الذي زود بكل بيان وتبيان ، بأصولها ووسائلها وفصائلها وحصائلها ، فكما القرآن فيه تبيان كل شيء ، كذلك الإنسان ، فله أن يتبين من القرآن كل شيء ، ثم يبين على ضوئه كل شيء ، تجاوب كتابي التكوين والتدوين : الإنسان والقرآن! فإنسان القرآن هو مجمع الكتابين ومرج البحرين ، فيا له من إنسان عالي الكيان!
فقد منح من الوسائل بما لم يزود به سائر الحيوان ، إضافة إلى أن ضميره يفوق سائر الضمائر! فبيانه ـ إذا ـ يفوق سائر البيان! وهكذا بيان عن هكذا ضمير هو الذي يميّزه عن سواه فيمتاز على سائر الحيوان.
ترى لو لم يكن للإنسان بيان أكان إنسانا كما الآن؟ فدور البيان ـ إذا ـ دور أعظم كيان ، به يتعلم وبه يعلّم ، به يحتج وبه يحتج له أو عليه ، به يتكامل وبه يكمل ، ثم وكل وسيلة من وسائل البيان ، قلما ولسانا وسواه ، يتطلب كتابا ضخما بدراسة فخمة ، علّها توضّح طرفا من أطرافه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)!
__________________
(١) تفسير القمي عن أبي الحسن الرضا في تفسير «عَلَّمَهُ الْبَيانَ».