ظلمات مهما كانت أخف ، فالرسول يتلو عليهم آيات الله البينات ، ليخرجهم الله بها من الظلمات إلى النور ، قضية الرأفة والرحمة.
وما أسماه تعريفا بالرسول : «عبده» إذ تحلل عن عبودية وعبادة ما سوى الله ، واختصه نفسه بالله ، فاختص لذلك أكرم كرامات الله : أن يحمل أشرف وأسمى رسالات الله.
ان هناك ظلمات تظلم على الفطرة الانسانية فتظلمها ، فإذا أخرج الإنسان عنها بمذكرات الآيات البينات فهو إذا في النور الذاتي ، وليس وراء ذاته إلا ما يزيد فطرته جلاء واعتلاء ، فالفطرة غير المحجوبة هي النور ، وهي المرقى إلى ساير النور (نُورٌ (١) عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ).
لذلك (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) لا (فيدخلهم النور) فإنه من دواخل ذاته فهو داخل فيه محجوبا أو غير محجوب ، فإذا ارتفعت الحجب الظلمات فهو إذا في النور ، دونما حاجة إلى طي مسافة بينه وبين النور ، فإنما يبتدئ بفطرة الله التي فطر الناس عليها ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ، وينتهي الى الله النور ، منتهى لا نهاية له ، فلا بدّ للسالك الى هذا النور أن يستمر في السير ، ناسيا نفسه وذاكرا ربه.
(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
هنا الخطاب الأول العتاب خاص بضعفاء الايمان ، الذين يتثاقلون عن الإنفاق في سبيل الله ، قاتل أم لم يقاتل ، أنفق في غير سبيل الله أو لم ينفق وإن كانوا درجات.
(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا) ولستم إلا مستخلفين فيما رزقتم ، ثم ولا يبقى لكم