باقية : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا ان الأموال لكم ، ولا انها باقية أو أنتم باقون ، فإذا الخلائق فنوا وانقرضوا ، خلوّا ما كانوا يسكنونه أو من يساكنونه ، وزالت أيديهم عما كانوا يملكونه ، وهناك الله وارث ما تركوه ، وإن كان مالكا من قبل مالكوه ، فهو الباقي بعد فنائهم ، والدائم بعد انقضاءهم.
فلا بدّ للمال أن ينفصل عن صاحبه ، بالموت فالوبال ، أو بالإنفاق وسائر الواجب أو الحلال ، فهل من عاقل يترك ما له وبالا دون تسميد لمستقبل الحال بإنفاقه أو قرضه في سبيل الله؟! ويا لها من حجج بالغة دامغة ، ناصعة ناصحة ، فما الذي يبقى عندها من دوافع الشح وهو الق البخل لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد! ثم ينتقل الخطاب إلى المنفقين المقاتلين في سبيل الله في ساعتي العسر واليسر ، ترى انهما سواء ـ كلا :
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ..) من (الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ ..) (٩ : ١١٧) وفترة الشدة قبل الفتح ، وأهمه فتح مكة ، وبعده فتح الحديبية ، الذين أنفقوا وقاتلوا في حالة الأسر والعسر ، أيام كان الإسلام غريبا والخطر قريبا ، والمسلمون محاصرون مطاردون ، قليلون في العدة ، قليلون في العدة ، فالإنفاق والقتال كانا في عضال ، فلا تشوبهما شائبة ، مهما كان الإنفاق قليلا لقلة الأموال .. ف (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) إذ أنفقوا وقاتلوا في رخاء ورجاء ، ولم يكن لمن قبل الفتح رجاء ولا رخاء ، أنفقوا والعقيدة آمنة ، والغلبة كائنة أو كامنة ، فليكن من قبلهم أعظم درجة منهم ، مهما كانت النية صافية وعلى سواء ، فإن الموانع والدوافع تختلف هنا وهناك ، وأفضل الأعمال أحمزها ، فالظروف الصعبة الملتوية قبل الفتح تحكم ان المنفقين المقاتلين في سبيل الله فيه أفضل ممن أنفق وقاتل بعد الفتح مهما كان الإنفاق من قبل قليلا ، فليس الكم هو الذي