يرجح الميزان ، وإنما هو الظرف والباعث وما يمثله من حقيقة الايمان (١).
«و» إن كان (كُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ولكنما الجزاء الحسنى درجات كما الأعمال والنيات الحسنى في اليسر والعسر درجات (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
ومن ثم كما ان المناصرين في ساعة العسر مع النبي (ص) أفضل درجة ممن ناصره ساعة اليسر ، فالذين ينصرون الإسلام بعد دوري الرسالة والامامة ، وظروفهم كمن قبل الفتح أو أعسر ، فهم أفضل درجة من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، إذ هم كانوا في ظلال الرسول (ص) حاضرا بآياته البينات ، والآخرون غيّب عن زمن الرسول (ص) وإنما صمدوا في الايمان لما رأوه وسمعوه من قرآنه المبين وتبيانه المتين ، فأحاديث التفضيل بين من قبل الفتح ومن بعده لا تشملهم (٢) بل وتفضلهم كآياته على من قبل الفتح. فحسناهم أفضل من حسناهم صورة طبق الأصل (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) فليجز كذلك حسب شاكلته (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً).
__________________
(١ ، ٢) الدر المنثور ٦ : ١٧٢ ـ أخرج سعيد بن منصور عن زيد بن اسلم قال : قال رسول الله (ص) يأتيكم قوم من هاهنا ـ وأشار بيده إلى اليمن ـ تحقرون أعمالكم عند أعمالهم ، قالوا : فنحن خير أم هم؟ قال : بل أنتم ، فلو ان أحدهم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ، فصلت هذه الآية بيننا وبين الناس : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) وأخرج مثله ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عنه (ص) وأخرج احمد عن انس في حديث عنه (ص) دعوا لي أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل احد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم ، وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) : لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو ان أحدكم أنفق مثل احد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
أقول : وكل هذه مقارنة بين من كانوا زمن النبي قبل الفتح وبعده ، وأما الذين أتوا ويأتون بعده فلا ، فلا فضل إذا إلا للأفضل أعمالا ، حسب الظروف والنيات ومدى الصعوبات.