فلينفق المؤمن مما هو مستخلف فيه ، وسوف يتركه لمستخلفه ، ولو غفل عن هذا وذاك ، وحسب انه هو المالك أو الباقي ملكه ـ وهو من أضعف الايمان ، أو هو الكفر ـ فلو غفل هكذا أو تغافل ـ إذا فليقرض الله من ماله! قرضا يربيه الله فيه ، هنا وبعد ما يحييه :
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) :
ومن ذا الذي يبقى بعد هذا الخطاب الحنون العتاب متصلبا على منع الإنفاق والإقراض؟! .. هنا! إذ يجعل الله عبده مالكا لما استخلفه فيه ، ويجعل نفسه مستقرضا بمضاعف الأداء وأجر كريم ، هنا ينفتك القلب ، وحقيق لمن له أدنى شعور أن يموت خجلا ، أو يصعق ويتصدع وجلا ، كيف ان الله الغني الحميد يستقرض عباده الفقراء المهازيل (يستقرضهم وله خزائن السماوات والأرض وهو الغني الحميد ، وإنما أراد أن يبلوكم أيكم أحسن عملا) (١) ، ومجرد الشعور ان المستقرض غني أمين ، مضاعف في الرد ، كريم ، إنه يطيّر أصحاب الأموال إليه طيرانا.
فيا له ربا حنونا في هدايته كيف يداري عباده المجاهيل في هداه ، فلا يبقي سبيلا إلا ويرشدهم ، ولا يذر دليلا إلا ويدلهم ، وهنا يعطف بهم الى مثلث التدليل من زواياه الثلاث ، يجعل نفسه في الثالثة كأنه المستقرض : (يُقْرِضُ اللهَ) وليس إلا لعباده ، مما يدفع جماعة من اليهود الى القولة الهراء الاستهزاء : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) (٣ : ١٨١) وهذه نهاية العناية الإلهية في الهداية ، وكما ترمز بأن أوامره ونواهيه كلها لصالح العباد ، فسبيل الله هي سبيل صالح الحياة
__________________
(١) نهج البلاغة عن علي (ع) «واتقوا أموالكم وخذوا من أجسادكم تجودوا بها على أنفسكم ولا تبخلوا بها عنها» فقد قال الله سبحانه : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ..) واستقرضكم وله.