يكون تمام الاقتباس : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) (٦٦ : ٨) ، وأما الذين لم يلتمسوا من ورائهم نورا هناك ، فلا نور لهم هنا ، لا أصلا ولا تتميما (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٦٤ : ٤٠) ولكن أهل الله ينظرون بنور الله دونما ضوء بصري منه يقتبس ، فأين المنافقون القائلون للمؤمنين : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)؟ والمؤمنون (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) (١)؟
وهذا الجواب المهانة العتاب يحمل محالين : الرجوع الى الوراء : (رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ، كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (٢٣ : ١٠٠) والتماس النور لو رجع: (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٦ : ٢٨).
ولماذا (قِيلَ ارْجِعُوا) لا (قالوا)؟ علّه لأن القائل هنا ليس هم المؤمنين أنفسهم ، أو هم كلهم ، بل هم خزنة النار بإذن العزيز الجبار ، أو انه قيل من الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي كان يذكرهم ذكراهم هذه ليل نهار ، فلم يستفيقوا من نومتهم ، فاستحقوا هكذا استهتار ، بأمر تعجيزي يستهزأ بهم كما كانوا يستهزؤن بالمؤمنين ، أو انه مكر من خير الماكرين أن يرجعوا الى وراء لهم اليه الرجعة ، وراء في المحشر نفسه ، فيفاجئون بسور له باب ، كل محتمل ومتحمّل ، والجمع أجمل.
لقد كان المؤمنون والمنافقون يتراءون ويتسامعون في حوار حاسم ، فضرب بينهم بحجاب الجواب العتاب ، ثم حجاب سور له باب بعد ذلك الجواب :
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٧٣ ـ اخرج الطبراني وابن مردويه قال قال رسول الله (ص) : ان الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا منه على العباد ، وأما عند الصراط فان الله يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون انظرونا نقتبس من نوركم ، وقال المؤمنون ربنا أتمم لنا نورنا ، فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا».
أقول : نور المنافقين هنا ضوئي عرضي امتهانا ومكرا حسنا ، ونور المؤمنين ذاتي كسبي إكراما لهم وتكريما.