وهنا الآية ترن رنا عاتبا حنونا ، وتأن أنّا صارخا على اسماع المؤمنين منونا ، محذّرة إياهم أن تقسوا قلوبهم بطول الآماد في التغافل والتساهي عن ذكر الله ، فإن ذكر الله درجات ، كما ان نسيانه دركات ، ومهما يبلغ الإنسان إلى درجات من الإيمان ، فبعده درجات ودرجات ، لو قيست إلى ما قبله لكان كالدركات.
فليعش المؤمن حياته تروية دائبة لقلبه بمياه ذكر الله ، فهذا الخطاب الود العتاب يواجه المؤمنين كافة إلا المقربين ، يواجههم الطول التاريخي والعرض الجغرافي أن يحاولوا في تخشيع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق دونما غفلة ومماطلة أو مماهلة ، محذرا إياهم أن يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم أمد الذكرى فنسوا وغفوا فقست قلوبهم ، وليس وراء قسوة القلب إلا كل فسوق وخروق ، وإلى الكفر.
والقلب ـ كما سمي ـ كيانه التقلب والانقلاب ، فلا بدّ له دوما من زمام رباني يزمه عن الأزمات التقلبات ، فلا بدّ من الطّرق والمتواصل عليه بطوارق أنوار الذكر حتى لا يبلد ويقسوا وتنطمس إشراقته ، ولكي يرق ويبرق ويشف (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١٣ : ٢٨) تخرج عن تقلباتها الفوضى ، وتطمئن إلى الله العلي الأعلى.
ذلك لأن قلب الروح يعشق اللامحدود ، وإنما تقلبه وتزلّقه إلى هنا وهناك ، إلى هذا وذاك ، دونما وقفة واطمئنان ، لأنه لا يجد بغيته في هذه المحدودة الزائغة الزائفة من كائنات الوجود ، فإذا تعلق بالله اطمئن وارتكن ، ثم لا تقلّب ولا انفلات ، اللهم إلا لمن لم يعرف ربه كما يحق ، فقد ينزلق إلا من اعتصم بالله وعصمه الله.
ان طول الآماد في فترات الرسالات من أهم ما ينسي ذكر الله فتقسى بها القلوب ، لأنهم ينورون القلوب ويحركونها بسناد الوحي فلا يخطئون أو