يتباطئون ، ومن سواهم من مبلغي رسالات الله إنما يصدرون عنهم غيّبا وحضورا فقد يتباطئون أو يخطئون ، مما يقلّل من تأثيرات العظات ، فتتعاظم القساوات في ثالث الأدوار ، دور الانتظار الذي نعيشه ، إذ لا رسول ولا إمام حاضرا ، وإنما منتظرا ليأتي ويقوّم الأود ، فهذا الدور من أخطر الأدوار تقاسيا للقلوب ، ومن أكثرها مسئوليات على عواتق المسلمين ، فإذا يؤثر طول الآماد في الفترات الرسالية في قساوات القلوب ، والرسالة غير منتهية ، والفترة محدودة ، فما ذا يكون أحوالنا في دور الانتظار وقد انتهت الرسالة والرسالات ، وختم دور الإمامات ، والفترة طائلة لحد غير معروف ، ولحد الآن الف وستة وستون سنة تمضي على الغيبة التامة لدور الإمامة ، ولم يسبق له مثيل طولا ، ولا يأسا قاطعا عن تجديد الرسالات.
فإذ تأنّ آية الأنّ على المؤمنين زمن الرسول (١) وعلى اسماعهم تأن الآيات من أقوى الرسالات الإلهية ، فنحن الغيّب عن ذلك الزمن ، وعن زمن أئمة تلكم الرسالة ، نحن أحرى وأجدر وأفقر إلى هذه الرنة الموقظة ، فلنأخذها نصب عيوننا ، وصغي آذاننا ونقول : بلى يا رب! قد آن لنا أن تخشع قلوبنا لذكرك وحقيق لمن له قلب أن يصعق ويتفتت لما يسمعها كبعض الأولين (٢).
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٧٤ ـ أخرج ابن مردويه عن انس مرفوعا إلى النبي (ص) قال : استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة من نزول القرآن فأنزل الله : ألم يأن ... وفيه اخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : خرج رسول الله (ص) على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمرا وجهه فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بانه قد غفر لكم ولقد أنزل علي في ضحككم آية : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) قالوا : يا رسول الله (ص)! فما كفارة ذلك؟ قال : تبكون قدر ما ضحكتم ، وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ان رسول الله (ص) قال : لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم إلا ان كل ما هو آت قريب ، إنما البعيد ما ليس بآيات.
(٢). روح المعاني للالوسي ج ٢٧ ص ١٨٠ : روى السلمي عن حمد بن أبي الحواري قال : بينا كنا في بعض طرقات البصرة إذ سمعت صعقة فأقبلت نحوها فرأيت رجلا قد خر مغشيا عليه ـ