الى درجة الشهداء والصديقين وكما هم شهداء وصديقون : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (١٩ : ٤١) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (١٩ : ٥٦) (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) (٥ : ٧٥) فالصديقون والشهداء هم من مربع النور : الرعيل الأعلى المنعم عليهم : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٤ : ٦٩) فقد بلغ الصديقون الى درجة يؤمر المصلون أجمعون أن يهديهم الله صراطهم : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (١ : ٥) فهم البالغون القمة في النعمات الروحية الإلهية ، اللهم إلا رسالة الوحي في غير النبيين منهم.
إذا فبإمكان المؤمن أن يصطف في صفوف النبيين اللهم إلا الوحي والعصمة الخاصة بهم ، فإنهما جذبة إلهية لمن كمّل سيره الى الله ، فيصطفيه الله تكميلا لما قصر هو عنه ، فالنبوة بين سعي بشري واصطفاء مكمل إلهي.
ولأنهم صديقون عند ربهم ، فهم الشهداء عند ربهم كما النبيون شهداء :
(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٣٩ : ٦٩) ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو شهيد الشهداء : نبيين وصديقين : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٤ : ٤١).
إنهم يشهدون على أعمال العباد لأنهم صديقون لا يكذبون ولا يسهون ، فحياتهم الصدق دون أية كذبة ، ولا تورية إلا ما يشاء الله ويرضى ، وكيف يمكن إلقاء الشهادة ممن لم يتلق الأعمال ، فهم ـ إذا ـ يلقّون أعمال العباد ويتلقونها يوم الدنيا حتى يشهدوا بها ويلقوها في الاخرى ، كما وأنهم شهداء عند الله :
حضورا عنده وليسوا غيّبا ، يشاهدون جلاله وجماله ، كبرياءه ومناله ، عميان عمن سوى الله ، لا يرون شيئا إلا وقد يرون الله قبله وبعده ومعه وفيه ، رؤية علم ومعرفة كأنها عيان : «اعبد ربك كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك».